فى الواقع إنى أنا مشفق عليكم من هذا الانتظار الطويل ، ولكنكم تقدمون دليلاً مابعده دليل على المحبة التى يحملها كل واحد منكم لهذا الرجل الذى رحل إلى العالم الآخر ولكنه مازال حيا يتمتع بالحياة أفضل مايكون وكأوضح ما تكون الحياة .
الواقع أن هذا برهان على أن الرجل ترك ولا زال يترك آثارا، وهذه الآثار باقية وكما قال بعض إخوتنا أن هذا العدد يزداد يوما بعد يوم فلقد أتى هذا الشعب لا مجاملة للرجل ولامجاملة للأسرة وإنما جاءوا محمولين بالمحبة التى يحملونها ، كل واحد له قصة وكل واحد يحمل فى قلبه أثراً .
أنا الحقيقة أجد أن البابا كيرلس على الرغم من أنه لم يكن واعظا بالكلام ، لكنه قدم سيرة وقدم حياة أفضل من الكلام ، الكلام ينسى أما السيرة فلا تنسى ، فالسيرة تطبع فى سجل الأبد آثارا لاتزول ، هذه السيرة دخلت إلى الكون وأصبحت فى الكون فلا تزول .
إن البابا كيرلس يقف أمامنا معلما ، يقف أمامنا نموذجا لرجل الله رجل الله ، معنى رجل الله أنه الرجل الذى ليس لــه إلاّ أن يكون دليلا على الله ، ذابت شخصيته واندمجت فى شخصية سيده وأصبح ليس له فى ذاته شيئا إنما هو رجل الله . من يراه يرى الله . لأن الله
قوة غير منظورة ونحن بشر حسيون ، بالإيمان نؤمن بالله ، لكن ليس كل الناس فى درجة الإيمان الذى يجعلهم يصدقون تماما وترتسم فى أذهانهم الصورة الحقيقية لله . لكن حينما يكون إنسان سائراً فى طريق الله فيكون كل من ينظر إليه يرى الله فيه. هذا هو الإنسان الذى وصل إلى مقام الفناء والبقاء بعد الفناء . وصل إلى مقام الفناء لأنه فنى عن ذاته ، ولم يعد له وجود فى ذاته ، اندمج فى سيده وأصبح سيده فيه ، وأصبح الدليل على سيده ، كل من يراه يقول هذا هو الله . لا بمعنى العبادة ولكن لأن الله لا يرى ، إنما الإنسان يرى الله فى هذا الإنسان .
كان البابا كيرلس رجل الله واستطاع فعلا بصمته الطويل وبسيرته التى رسمها أمكنه أن يجعل الناس يرون الله ، وارتفع ترمومتر الحياة الروحية فى الناس . وصار الناس يؤمنون بالله عيانا، ويرون الله ويؤمنون بالحياة الأخرى ويؤمنون بعالم الروح ، العالم الذى ينكره الماديون والحسيون ، هذا العالم خدمه البابا كيرلس فى سيرته ، فجعل الناس يصدقون أن هناك عالماً آخر يسمى عالم الروح ، وهذه الدعوة امتدت ، لم تعد هذه الدعوة منحصرة بين الأقباط الأرثوذكس وإنما امتدت هذه الدعوة إلى غير الأرثوذكس ، بل امتدت إلى غير المسيحيين عموما ، بل امتدت ما وراء مصر وصارت هناك رؤية لهذا الرجل خارج مصر، وصارت له فعاليات، وصار يُنادى وهو فى عالم الروح ويستجيب لهذا النداء لكثيرين ، عمليا عادوا إلى الإيمان وعادوا إلى الدين وعادوا إلى الثقة أن هناك وراء المنظور عالماً آخر ، وأن الإنسان إذا رحل من هنا لم يمت وإنما هو باق وحى ويمكن للإنسان أن يتعامل معه . أنتم أتيتم كلكم لأن كل واحد منكم له تعامل مع هذا الرجل الآن ، لا أقول فيما مضى إنما الآن ، فى كل يوم الواحد يسمع قصصاً من أشخاص ، يمكن لأول مرة يلتقى الواحد بهذا الإنسان ويسمع عنه قصة ، فى بعض الأحيان كان هذا الإنسان بعيدا جدا عن الدين ، أو كان بعيداً عن الكنيسة ولكننا نسمعه يحكى ويقص ويسرد قصصا تجعلنا نشعر أن هذا الإنسان يؤمن بالله ويؤمن بالآخرة ويؤمن بعالم الروح ويؤمن بالوجود غير المنظور ، واستطاع أن يتخطى الحدود المادية ويحتقر المادية ويؤمن بالروحانية، هذا العمل الذى عمله البابا كيرلس وهذا الإنجاز كان كبيرا ، لو كان أحد كتب عشرات الكتب ولو كان وعظ ألوف العظات لما استطاع بهذه الكتب وبهذه العظات، أن يصل إلى ما وصل إليه البابا كيرلس بسيرته وهذا تعليم لنا .
نحن سائرون فى طريق السماء ، نحن كلنا رفقاء مسيرة ، كلنا نسير فى الطريق وكلنا واصلون ، فنحن نريد أن نتعلم من سيرة هذا الرجل كيف تكون أخلاقيات وحياة الإنسان السائر فى طريق السماء، الإنسان الذى يستعد للعالم الآخر وهو على الأرض ويعمل حسابه أنه مسافر ولابد أن يأخذ زاداً لهذه الرحلة .
أحب أن أقول أن هذا الرجل الذى نحكى اليوم حياته والقصص الجميلة فى حياته ، لم يصل إلى هذه الأمور التى نحصدها الآن كرحيق أو كفاكهة جميلة تخلفت من حياته بسهولة ، لم تأت هذه الأشياء سهلة ، أكثرنا لا يعرف شيئا عن الحياة الطويلة التى عاشها الرجل ، حياة فيها تعب وألم وضيق وشدة ومضايقات ومتاعب ، وهذه المتاعب أولا هى متاعب طبيعية ، ثانيا هناك متاعب من الأرواح الشريرة شيطانية ، ثالثا هناك متاعب من الناس .
البابا كيرلس رأى فى حياته صعوبات كثيرة ، فى شبابه المبكر، فيه صعوبات مر بها ، لكن تَعَلَّم كيف يحل هذه الصعوبات ، لم يكن مؤمنا بذكائه ولا بدرجة علمه ولم يكن مؤمنا بالفكر إنما كان حقيقة يضع مشكلاته أمام الله ، وهذا تعليم لنا نحن ، هذا الكلام ينفع الشباب الآن وينفع الصغار الآن وينفع الكبار أيضا ، نحن نحكى على الجمال الذى فى سيرة البابا كيرلس ، لكن هذا الرحيق كانت له قبل أن يصبح رحيقا كانت له أشواكه ، هذا الموضوع فى غاية الأهمية ولابد أن نتبصر بها ونحن سائرون فى طريق السماء ، لابد أن نؤمن أن حياتنا لن تكون حياة سهلة . عندما نسمع أمثال هذه القصص التى رواها الآباء ورواها إبننا الدكتور حنا يوسف حنا ، أمثال هذه القصص الجميلة ، يمكن أن يتهيأ لكم أو يتهيأ للواحد ، أن هذا الرجل الذى يساعده الله بهذا الأسلوب وبهذه الدرجة كانت حياته سهلة ، هذه الصورة التى يتصوروها الناس اليوم سهلة لا .. السهولة جاءت بعد ذلك . إنما لقد مر الرجل فى ممرات مظلمة ومضايقات ومتاعب ومعاكسات .
أقول هذا الكلام لأن أولادنا كثيرا جدا عندما يرون متاعب فى حياتهم يقولون لماذا ربنا عمل ذلك ؟ لماذا ولماذا وأين ربنا وأين المواعيد وأين وأين ؟ .. لو كان الله يريد أن نمشى حياة سهلة لايمكن أبدا أن نصل إلى الخبرة التى وصل إليها كبار القديسين، ولابد أن نؤمن أن هناك مصارعات وهناك مضايقات وهناك قوات غير منظورة تعاكس الإنسان وتضايقه ، المضايقات لا تأتى من الله ، المضايقات تأتى إما من الإنسان نفسه أو من الآخرين أو من القوات الشريرة المعاكسة . كل هذه المضايقات موجودة ، أقول أين الله ولماذا عندما نطلبه لا يتدخل ؟ الله فى كثير من الأحيان يتطلع إلينا لكن لا يريد أن يتدخل ، يريد أن يرى ماذا نعمل ، ما هى الطريقة التى بها نتغلب على مضايقاتنا ، هل نحن نضعف ونشتم الذى يشتمنا ونضرب الذى يضربنا، ونعمل مكائد للذى يعمل لنا مكائد وهكذا .. أو نعتصم بمبادئنا ونصبر ونحتمل .
ربنا تركنا فى الأرض هنا فترة إمتحان ، نصارع ونصطدم ، لنرى ماذا نعمل ثم يريدنا من وراء هذا أن نتعلم ، سأضرب لكم مثلاً عندما ربنا يقول ” انظروا إلى فراخ الغربان ” ماذا نتعلم من الطيور ، الله يريدنا أن نتعلم من الطيور ، المعروف عن طائر مثل النسر أنه يعمل عشه فى أعلى الجبال أو أعالى الأشجار ، لأن له قدرة على أن يرتفع أكثر من أى طائر آخر . ثم يغذى أولاده فى العش ، حتى يكبروا ، بعد ذلك يريددهم أن يتعلموا الطيران ، هو يعمل هذه الأشياء بالغريزة ، فيقلب العش ، الأب الكبير الذى يرعى أولاده هذه المدة الطويلة ، يأتى فى وقت من الأوقات ويقلب العش ، عندما يقلب العش الفراخ تقع على الأرض ، فيتركها تقع حتى قبل أن تصطدم بالأرض يكون وصل وفرد جناحيه ويحملها عليها ويرتفع مرة أخرى إلى فوق ، ثم يترك جناحيه فتقع الفراخ بقانون الجاذبية ، لكن قبل أن تصل وتصطدم بالأرض يكون هو وصل قبلها وفرد جناحيه وحملها مرة أخرى وهكذا ، ما هى حكمة الطبيعة فى ذلك ؟ ، حكمة الطبيعة أن يعلم هذه الفراخ الصغيرة الطيران ، لأنه لا يريدها أن تستمرعالة باستمرار وجودها فى العش ، يريدها أن تتعلم وتعرف أن تطير . لو تركها فى العش لا تتعلم، إنما انظر كيف أن الله يعطى دروساً من الطبيعة ، يجعل النسر يرمى فراخه ويقلب العش ، وهذا عمل من أعمال القسوة هكذا يبدو وخصوصا بالنسبة للفراخ الصغيرة ماذا تفهم ؟ كيف الأب يعمل ذلك ، لكن لولا هذا .. الفراخ لا تتعلم أن تطير ، لأنها وهى واقعة تلقائيا وبدون أن تقصد ترفع جناحيها، فتجد الهواء يرفعها من الجناحين ، فتستطيع بالتدريج أن تقاوم الجاذبية بطريقة رفع الجناحين ، وتبقى مثل أبيها نسور وتطير وبعد ذلك تعمل فى فراخها العملية نفسها .
أنا أقول أن الله ترك لنا الدنيا هنا فترة امتحان ، نصارع ونجاهد ونكافح ونناضل ، ونجد حياتنا فيها متاعب وفيها مضايقات وفيها آلام ، لا تحزن من الآلام ولا تقل أين الله ولماذا عمل ذلك ؟ هذا الكلام الذى نسمعه من شعبنا ، لا.. ربنا يريدنا أن نتعلم ولازم نتعلم من الآلام ، الألم هو الذى يعلمنا ، لولا الألم لا نتعلم ، لا نتعلم إن لم نتألم . لا تفتكروا إن البابا كيرلس ولد مثل واحد موفق وناجح وربنا كان يسنده دائما.. لا تفتكروا كلاماً مثل ذلك . نكون خادعين أنفسنا ، هذا الرجل رأى فى حياته شدائد ومتاعب ومضايقات مثل التى أنت تراها وأكثر، ولكن عرف كيف يصارع وكيف يحتمل وكيف يناضل وكيف يتمسك بمبادئه ولا يخون مبادئه . وكيف أنه لا يغير روحانيته بسبب هذه المضايقات وبسبب هذه المتاعب إنما يظل صامدا ، ليس مجاله أن الواحد يحكى لكم عن ذلك … ، إنما مثل أى إنسان شاف شدائد ، هذه الشدائد بعضها من الداخل وبعضها من الخارج ، ولكن كان يحتمل وكان يصبر وكان يصمت ، وفى كل هذا كان يصلى ، كان يصلى لأنه لم يكن يؤمن بذكائه ، لا يؤمن بالفكر البشرى ، كان دائما يؤمن بأنه إنسان يجرى مثل الطفل إلى الأب أو إلى الأم ويحتمى فى الله ، كنا نراه وهو كبير ولم نره وهو صغير ، ولكن يمكن بدأت حياتنا معه من سنوات وهو كبير ، لكن وهو كبير كنا نراه وهو بطريرك ، عندما يكون تعبان أو متضايقاً أو فيه مشكلة قدامه ، فطبعا لابد فيه مشاكل ، ليس فقط مشاكل داخلية ، إنما متاعب عموما ، طبيعة التبعة والمسئولية الكبيرة التى حملها على عنقه وحملها على كتفيه ، طبيعة هذه المهمة الصعبة أكيد أنها لها مشكلاتها ومتاعبها ، وربما كانت سببا فى أن حياته لم تطل كما كان متوقعا أن تطول ، وسيدنا له المجد المسيح مخلصنا نفسه قال كلمة ، ” نفسى حزينة حتى الموت ” ، المسيح الذى يقول هذا الكلام ، إذن الحزن أحيانا يكون من القسوة ومن الشدة فعلا أنه ممكن أن ينهى حياة الإنسان قبل موعدها . المسيح نفسه تعرض لهذا الحزن النفسى ، وفعلا كان هذا سببا لأن مخلصنا له المجد مات هكذا سريعا ، عادة المصلوب يموت مابين 18 و24 ساعة نتيجة نزيف وتقطيع فى الشرايين ، فعادة المصلوبون يظلوا على الصليب بين 18 و24 ساعة ، وأحيانا تستمر يومين أو ثلاثة فى بعض الأحيان. عندما جاءوا إلى اللصين وهما طبعا أولا مجرمين ، ثانيا كبار لأنهما كانا أكبر من جهة الحياة على الأرض ، المسيح سنه كان 33 سنة ناسوتيا ، الأمر الثانى أن سيدنا له المجد جسده سليم ولكن اللصين كبشر جاءت لهم أمراض ، مثل الأمراض التى نتعرض لها كلنا ، لكن المسيح جسده كان سليماً ، بالنسبة إلى اللصين اضطروا أنهم لكى ينهوا حياتهما أن يكسروا أرجلهما ، فعندما جاءوا للمسيح وجدوه قد مات ، فتعجبوا ، ونفس بيلاطس يقول : ” تعجب لأنه مات هكذا سريعا ” كيف مات المسيح بسرعة ، ما الذى جعله يموت بسرعة . الكلمة التى قالها ” نفسى حزينة حتى الموت ” . هل تتذكرون المسيح فى بستان جثسيمانى، كون عرقه ينزل ويتصبب كقطرات الدم على الأرض ؟ ما معنى هذا ؟ معناه أنه حدث تسمم ، كون العرق ينزل دم معناه أنه حدث فساد وارتباك فى الغدد الصماء ومعناه أنه حدث تسمم ، لماذا حدث تسمم ؟ من الحزن . المسيح لا يبالغ ، نحن نبالغ ، عندما يقول نفسى حزينة حتى الموت يكون فعلا الحزن شديداً وقاهراً بدون مبالغة ، ولذلك لولا مساندة اللاهوت للناسوت كان المسيح مات قبل الصليب بسبب الحزن الشديد الذى كان فيه ، اللاهوت سند الناسوت لكى يتمم الفداء ، فبعد ذلك انتهت المهمة . والقوة التى أعطاها اللاهوت للناسوت كان لمجرد أن يتمم الفداء ، إنما المسيح كان الحزن النفسى شديداً جداً عليه ، وهذا ما قاله المزمور “العار قد كسر قلبى “. ولذلك طبيا وناسوتيا المسيح مات بانفجار فى القلب نتيجة ضغط الآلام النفسية ، فالآلام النفسية أكيد تعمل استهلاكاً أكثر من الآلام الجسدية على الإنسان .
أنا أقول هذا الكلام حتى لاتفتكروا أن البابا كيرلس الذى تسمعون عنه القصص الجميلة لحياته وأنه كان موفقاً ، وأنه لم يكن ينادى لربنا حتى كان يستجاب ، لا تظنوا أن الرجل ولد كذلك ، خلق كذلك أو أن ربنا كان يحابيه ، كان له صراع طويل وكفاح ونضال ، وكإنسان تتعرض حياته لمشاكل ومتاعب ، ولكن كان دائما يضع هذه الأشياء قدام الله ، والله فى أحيان كثيرة كان يتركه أيضا ، يتركه للتعب لكى يتعب ، وهذا التعب من جهة نتعلم منه شيئا ومن جهة أخرى يُكَّبر إكليله، لا ننسى أن التعب له إكليله ، ” طوبى لمن يحتمل التجربة لأنه متى تزكى ينال إكليل الحياة الأبدية الذى وعد به الرب للذين يحبونه ” .
الرجل كانت نفسه تتضايق حتى وهو بطريرك ، لا تفتكر لأنه أصبح بطريركاً فكل شىء فى حياته سهل ، والناس تطيعه.. أبدا أبدا أبدا، هذه الوظائف وهذه المهام لها مشاكلها ، لها متاعبها لها مضايقاتها لها مسئولياتها لها تبعياتها المختلفة ولها الحيرة الذى يقع فيها صاحبها . أحيانا يكون فى حيرة لا يعرف أن يتصرف ، كإنسان بحسب تفكيره يجد لو تصرف كذا يحدث كذا ، لو تصرف كذا يحدث كذا ، فيقع فى حيرة ثم يلام ، لو عمل هذا يجد من يلومه ولو عمل ذاك يجد من يلومه ، وقد لا يعرف ماذا يعمل ويخاف أى تصرف يسبب عثرة للإنسان ، يسبب له مضايقة وهكذا .
هذا الرجل كنا نراه أنه فى بعض الأحيان عندما نفسه تمر بضيقة أنا أقول هذا الكلام لكى نتعلم ، نحن جئنا نحكى حكايات لا لنمجد الرجل ، لأن الرجل اليوم الله نقله إلى العالم الأفضل . إنما نحن لابد أن نتعلم ، هذا الرجل قدوة وهذا الرجل مثال فنريد أن نتعلم منه شىء ، هو سار فى طريق السماء قبلنا ورحل إلى العالم الآخر قبلنا ، نحن ذاهبين أيضا فلا بد أن نتعلم من سيرته ، نتعلم عندما يكون الواحد أمامه أزمة كيف يحلها ، لا بالذكاء ولا بالتخطيط ولا بالأفكار، ولكن يعمل الذى يقدر أن يعمله كإنسان ولكن لابد أن نضع الموضوع أمام الله ، لأن هناك قوات خفية غير منظورة ممكن أن تعاكس الإنسان وتضايق الإنسان ، وتجعله يغير الطريق بدلا من أن يكون فى هذا الإتجاه يغير الناحية الثانية . فكنا نراه فى بعض الأحيان فى البطريركية يعكف ، أحيانا يعكف يوماً أو يومين أو ثلاثة لايقابل أحداً ، لم يكن هذا قسوة منه على الناس لأنه كان عنده الحنان ، كان يعرف عندما يكون أحد يريده يخرج يسلم عليه أو يخرج يراه ماذا يريد ، لكن لماذا كان يعتكف أحيانا ؟ عندما يجد نفسه فى موقف محتاج فيه أنه يهدأ ويسكن ليسمع همسات الله فى قلبه من الداخل ويجد الحل ، لأن فيه قوات خفية تحتاج إلى قوات خفية أخرى تقاومها ، يوجد مثل فى الكتاب المقدس لا ننساه أبدا ، أن دانيال وقع فى حالة نفسية جعلته أن يفرض على نفسه صوما ثلاثة أسابيع 21 يوماً صوم وصلاة ، وعندما كان يصلى من أجل بنى إسرائيل ومن أجل عودة بنى إسرائيل إلى أرض فلسطين ، لأن وقتها دانيال كان فى السبى ووقتها كان فى بلاد العراق تقريبا ، أو نسميها أور الكلدانيين ، فى منطقة العراق ، فكان فى السبى ففرض علي نفسه صوماً ثلاثة أسابيع ، ثم فى اليوم الواحد والعشرين جاء له جبرائيل ودائما الملائكة لهم تخصصات ، ميخائيل له تخصص ، جبرائيل له تخصص ، جبرائيل دائما مبشر هذه وظيفته ، فجاء له جبرائيل وقال له يادانيال منذ اليوم الأول الذى فيه أذللت نفسك سمعت صلاتك وأنا أتيت لأجل صلاتك ، كيف أنت حضرت فى اليوم الواحد والعشرين .. ما هو الذى أخرك 21 يوماً مادمت سمعت من اليوم الأول ، وجبرائيل أُُرسل من السماء فى اليوم الأول ما هو سبب تأخرك واحد وعشرين يوما ؟ قال له رئيس مملكة فارس قاومنى 21 يوماُ ، من رئيس مملكة فارس هذا ؟ هو الشيطان أو القوة الروحية الشريرة المعين لمملكة فارس من قبل سطانائيل أو من قبل إبليس الكبير ، لأنه هو رئيس هذا العالم فموزع قوات ونواب من قبله فى المناطق المختلفة. فرئيس مملكة فارس قاومنى 21 يوم إلى أن جاء ميخائيل . فانظر قوة الشيطان لمملكة فارس ، علق جبرائيل وهو رئيس ملائكة فى الهواء 21 يوماً ، ولكن إصرار دانيال على الصوم والصلاة هز السماء فنزل ميخائيل ، وطبعا ميخائيل + جبرائيل استطاعا معا أن يهزما رئيس مملكة فارس .
هذه القصة جميلة جدا ، لأنها تكشف لنا عن الحرب غير المنظورة وعن القوات المعاكسة المضادة ، عندما الواحد فينا يصلى لربنا يقول ربنا لماذا لم يستجب ، هو لا يرى أن هناك معاكسات وهناك قوات روحية معاكسة شريرة غير منظورة تعمل معاكسات ، من هنا نفهم أن هناك قيمة للصلاة وقيمة اللجاجة فى الصلاة ، لذلك المسيح طلب أن نصلى بلا فتور لماذا ؟ ليس لأنه لم يسمع ولكن لأن هذه اللجاجة لها أهمية ، أولا من جهة تدل على إهتمام الإنسان بالموضوع الذى يصلى من أجله لأن جائز جدا لو أنا غير مُصِر على هذه النقطة التى أنا أصلى من أجلها أتعب وأتضايق وأكف عن الصلاة ، لكن لو كان الموضوع الذى أصلى من أجله عزيز على وأصر عليه وأواظب على الصلاة ، تكون اللجاجة دليل إهتمام الإنسان بالموضوع الذى يصلى من أجله . خصوصا إذا كان الموضوع روحانياً كما قال المسيح ” اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذا كله يزاد لكم ” .
الخلاصة إننا نريد أن نتعلم من البابا كيرلس السادس كيف أن الإنسان السائر فى طريق الحياة لا ينظر إلى الحياة الروحية للبابا كيرلس من آخرها ، آخرها وصل البابا كيرلس إلى أنه أصبح رجلاً تستجاب صلاته ، وخصوصا بعد حياته أكثر مما كان فى حياته ، لأنه انتهى العراك وانتهى النضال وانتهى الجهاد وانتهى هذا كله ، فلا ننظر لحياة البابا كيرلس فى نهايتها ، إلا من حيث أهميتها فى نهايتها والأجر الذى حصل عليه ، كما قال ” انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم”.
إنما أنا أقول لكم لابد أن نأخد لبالنا أن فى حياتنا كفاح ونضال وفيها الجهاد ، وعندما نرى الحياة فيها صعوبة أمامنا لا نشك فى الله ولا نقل أين الله ؟ ونشك فى الكتب المقدسة ونشك فى التعاليم ، لا.. لابد أن نضع فى فكرنا أن حياتنا التى على الأرض هى فترة إبتدائية ، عبارة عن إمتحان ولابد فى هذا الامتحان أن نناضل ونكافح ونخطو خطوة خطوة على الطريق السليم . وهذه هى حياة السائرين فى طريق السماء .
أكثركم قد يتضايق عندما يسمع كلاماً من هذا القبيل ، لكن لابد أن نضع الحقيقة قدامنا أن الحياة الروحية لا ننظر إليها من حيث نهايتها ، وإن كانت النهاية تعطينا عبرة ، لكن لابد أن نأخذ لفكرنا أنه كما أن البابا كيرلس لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد كفاح ونضال مع نفسه من جهة ومع الجسد من جهة ثانية ، حرب الجسد من جهة، وحرب الناس وحرب الشياطين وقوات مختلفة .. هكذا نحن أيضا فى مسيرة الحياة لنا أعداء ، لنا مضايقات ، لنا معاكسات ، لنا متاعب ، لا نأخذ الحياة بالمعنى السهل أبدا ، لابد أن نتعلم أن الحياة فيها الكفاح والنضال وأنا أقول هذا الكلام لشبابنا الصغير من أولادنا وبناتنا الصغار الذين ينظرون للنتائج ، وأن هذا النضال وهذا التعب هو الذى يجعل الإنسان إنساناً وهو الذى يجعل الإنسان معلماً فى الفضيلة ويجعله يصل للمراحل العالية .