البابا كيرلس… رسالة من عالم الروح

الموقع الرسمى للمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى
Anba Gregorios, Bishop of Scientific Research Website

الحق أننى استمعت بتأثر بالغ إلى هذه الكلمات الصادرة من قلوب أولادنا والتى عبروا فيها بصدق عن الأثر العميق الذى تركته سيرة البابا كيرلس فى حياة الأفراد وحياة الأمة .

 وأقول أن البابا كيرلس كان رسالة من عالم الروح إلى العالم الأوسع والأكبر .

حقيقة أن هذا الرجل لم يكن لمصر وحدها ، وإنما على الرغم من أنه قبع فى مكان محدود من الأرض وحبس نفسه لينحبس فى الروح ، لكن ثمار حياته امتدت وأصبح حبة الخردل التى هى أصغر جميع البقول تحولت إلى شجرة كبيرة آوت إليها وفيها طيور السماء .

بكل معنى الكلمة طارت سيرة الرجل ، طارت طيرانا ، حملتها الموجات إلى كل بقعة فى الأرض ، وهذا تعليم لنا فى أهمية القيم الروحية ، كان الرجل يمثل الراهب الصامت ، كان كلامه قليـــلا ،

وكلما تقدم فى الروح قلت كلماته . عندما كان شابا كان يتكلم أكثر مما أصبح عليه وهو شيخ ، دخلت الكلمات إلى ركن فى قلبه ، لكن من القلب شعت أضواء حياته وانتشرت وانتثرت وامتدت ، وأحسب أنها إلى اليوم وإلى مابعد اليوم وربما إلى نهاية هذا الدهر ، سيرة البابا ولا أقول كلاماً انتشرت وامتدت وانتفع بها وينتفع وسوف ينتفع أجيال وأجيال ، أطفالنا الصغار اليوم الذين لا يعرفون سيرة الرجل ، والذين ربما لم يروه بعيونهم ، هؤلاء الأطفال أكثرهم كانوا بركة من عنده، مُنحوا بصلواته فكثيرون اليوم تسموا باسم كيرلس وباسم مينا، لأن والديهم نذروا أنه إذا أعطاهم الرب نسلا يسمونه بهذا الاسم تيمنا به . فصار هؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون شيئا إنما يحملون رسالة الرجل. وفى بلاد المهجر، فى استراليا ، فى الأردن ، فى كندا ، فى الولايات المتحدة الأمريكية ، فى ألمانيا والنمسا ، فى بلاد الشرق العربى وفى بلاد أفريقيا التى انتشر فيها الأقباط وهاجروا إليها . صار الناس الذين لا يعرفون عن البابا كيرلس أصبحوا ليسوا فقط يعرفون اسمه ، فليس هذا ما يعنينا وما يعنى الروحانيين ، إنما البركة ، بركة حياته وثمرة حياته صارت زرعا امتد أثره كالنبات وأصبح شيئا عظيما نشكر الله عليه .

أؤكد لكم أننى أحس تماما من أعماقى أن البابا كيرلس ظاهرة روحية ما أسعدنا نحن وما أسعد جيلنا لأننا عرفناه ولأننا رأيناه ولأننا انتفعنا به وتباركنا به ، وإنى أؤمن أن الطهارة كانت تشع من عينيه ، وأن القداسة كانت تخرج مع أنفاسه وكانت تعطر الجو بكل معنى الكلمة، ليس هذا كلاما أدبيا وليست هى ألفاظا ، إنما نحن نؤمن أن الرجل وأن القديسين بصفة عامة ، سيرة حياتهم وصلواتهم وبركاتهم تكهرب الجو الذى يحيط به ، وتمغنط وتشع إشعاعات فهو الذى استنار بالنور السماوى ، النور الحقيقى نور المسيح وبعد أن تشبع بهذا النور وبعد أن شُحن بهذه الشحنة الإلهية صار هو نفسه جسما مشعا .

أقول وأكرر ليس هذا كلام محسنات بديعية ، وليس ألفاظا إنما حقيقة كونية ، عندما قال المسيح ” أنا نور العالم ” وقال لتلاميذه ” أنتم نور العالم ” ما الفرق ؟ المسيح هو النور الحقيقى ، إنما الرسل هم الذين أخذوا من المسيح ، تحولوا إلى أجسام مشعة فصاروا أنوارا ، النور ليس منهم إنما كل فخرهم أنهم أخذوا من النور ثم منهم وعن طريقهم صار النور ينتقل لآخرين .

شكرا لله أن هذا الرجل كان صادقا فى روحانيته ، صادقا فى روحانيته حقيقة ، والصدق يظهر حينما يزهد الإنسان فى الكلام ، فهذا الرجل كان زاهدا فى الكلام ، لأنه كان صادقا فى روحانيته وروحانيته كانت روحانية ناطقة ، مشعة ، قوية ، ولذلك كل الذين تعاملوا معه ترك الرجل أثرا فى حياتهم ، لكن أريد أن أذكر بأن حياة الرجل قبل أن يصير بطريركا هى التى جهزته أن يكون صاحب الأثر الذى ظهر فيما بعد .

هنا أذكر كلمة الرسول بولس فى رسالته إلى العبرانيين حينما تكلم عن اخنوخ الذى ذكر عنه سفر التكوين أيضا أنه سار مع الله وأنه نُقل لأن الله أخذه ، ولم يُذكر فى الإنجيل أو فى العهد القديم كيف نُقل اخنوخ وإن كنا نقرأ فى بعض كتب الكنيسة أن رئيس الملائكة ميخائيل هو الذى نقله إلى مكان فى السماء ، لماذا ؟ لماذا ولماذا هذا الرجل بالذات ينقل على هذه الصورة ؟ حقيقة أن إيليا جاء بعد ذلك بقرون ، واختطفته مركبة من نار وخيل من نار إلى السماء ، لكن اخنوخ لم يذكر عنه أكثر من هذا التعبير ، سار مع الله ونُقل ، ولكن يقول الرسول بولس ” قبل نقله شُهد له أنه أرضى الله “. قبل نقله شُهد له أنه أرضى الله . هذا النقل أو الخطف ربما يكون نوعا من المكافأة كما يخطف الإنسان فاكهة جميلة ، لكن كيف تكونت هذه الفاكهة لتصبح حلوة ومستحقة أن تُخطف وأن تؤخذ وأن يستفاد منها .

إذا اخنوخ قبل أن يأخذه الرب شُهد له أنه بار ، وأنه أرضى الله، ونحن لا نعرف ولم يقدم لنا الكتاب المقدس صورة تفصيلية عن عملية إرضاء  الله . أنقل هذا الحديث بكل الإيجاز لأقول عن البابا كيرلس أن هذا الرجل نُقل ، نعم نُقل ، نُقل وإن كان بكل معنى الكلمة هو حى، ليس فقط تلك الحياة الموعود بها بصفة عامة جميع الناس ، لأن المسيح قال ” أنا إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ، ليس الله إله أموات بل إله أحياء لأن الجميع عنده أحياء ” .

لكنى أؤكد أن البابا كيرلس ليس فقط حيا بهذا المعنى ، أنه حى فى الأرض أيضا ، وثمار حياته وبراهين حياته على الأرض نحسها وكثيرون بالعشرات والمئات من المسيحيين وغير المسيحيين فى مصر وخارج مصر ، الرجل يتحرك بكل معنى الكلمة ، فى بلاد أجنبية ، فى ألمانيا ، فى النمسا ، فى كندا ، فى استراليا ، بشخصه وحياته ويتدخل فى حياة أشخاص ويجيب أسئلة أناس ، ويطيب خواطرهم ويحل مشكلاتهم ماذا نريد من حياته أكثر من هذا !!

الرجل نُقل ولكن قبل أن نقول أنه نُقل ، وإن كان بنقله ، الله بنعمته أعطى هذا النقل القدرة وخفة الحركة لكى يتحرك فى الأرض ويتحرك فى غير الأرض ، يتحرك فى الهواء ويتحرك فى العالم الآخر ويتحرك فى كل بلاد العالم . قبل هذا نقول ، قبل نقله شُهد له أنه أرضى الله .

ياأولادنا هذه هى العظة التى نحتاجها من حياة  الرجل ، هو فى غنى عن كل كلام عنه لأن الله أكرمه ورد إعتباره ، وأعطاه أكثر مما نحلم نحن أن نعطيه بمديحنا أو ثنائنا ، إنما حياته لنا ، سيرته لنا، نبراسا نقتديه فى أننا نحن نرضى الله ، نركز كل حياتنا ، نركز كل اهتمامنا فى أننا نحن ياأولادنا مرسلون هنا ، أرواحنا ليست من الأرض نحن مرسلون من العالم الآخر ، أرواحنا آتية من فوق ونحن فى رحلة ولابد أن نعود بعد رحلتنا لنقدم تقريرا عن حياتنا لسيدنا.

إذن مدة بقائنا على الأرض يجب إن كنا عقلاء وحكماء أن نشحنها بأعمال صالحة ، بالعبادة المرضية الكاملة أمام الله . ودعونا من الكلام، ودعونا من الألفاظ ، ودعونا من كل شىء إلاّ أن نرضى الله بسيرة مقدسة  ، بأعمال صالحة ، بعبادة مرضية طاهرة من القلب ، بصدق ، وبأمانة وبنزاهة فإننا نحن غرباء ونزلاء ننتظر عودتنا إلى المدينة الباقية التى وضع أساساتها الله .

نعمة ربنا يسوع المسيح تشملنا جميعا ولتشلمنا بركات البابا كيرلس.

استعدوا للأيام الآتية ، نحن فى الأيام الأخيرة بكل معنى الكلمة شدائد تنتظرنا ، تحدى للمسيح ينتظرنا ولكن أخيرا طوبى ، طوبى لمن يعيش إلى الألف وثلثمائة وخمسة وثلاثين يوما ( دانيال 12: 12) ، هناك مجد وهناك كرامة للمسيح ، وهناك انتصار وستصير الأرض وماعليها للرب ومسيحه ولإلهنا الإكرام والمجد إلى الأبد آمين .